سورة مريم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{قَالَ كذلك} الكاف رفع أي الأمر كذلك تصديق له ثم ابتدأ {قَالَ رَبُّكِ} أو نصب ب {قال} وذلك إشارة إلى مبهم يفسره {هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي خلق يحيى من كبيرين سهل {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ} أو جدتك من قبل يحيى. {خلقناك} حمزة وعلي {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} لأن المعدوم ليس بشيء {قَالَ رَبّ اجعل لِّى ءايَةً} علامة أعرف بها حبل امرأتي {قَالَ ءايَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ الناس ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِياً} حال من ضمير تكلم أي حال كونك سوى الأعضاء واللسان يعني علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سليم الجوارح ما بك خرس ولا بكم. ودل ذكر الليالي هنا والأيام في (آل عمران) على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن، إذ ذكر الأيام يتناول ما بإزائها من الليالي وكذا ذكر الليالي يتناول ما بإزائها من الأيام عرفاً {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ مِنَ المحراب} من موضع صلاته وكانوا ينتظرونه ولم يقدر أن يتكلم {فأوحى إِلَيْهِمْ} أشار بإصبعه {أَن سَبّحُواْ} صلوا و{أن} هي المفسرة {بُكْرَةً وَعَشِيّاً} صلاة الفجر والعصر {يَا يحيى} أي وهبنا له يحيى وقلنا له بعد ولادته وأوان الخطاب يا يحيى {خُذِ الكتاب} التوراة {بِقُوَّةٍ} حال أي بجد واستظهار بالتوفيق والتأييد {وَآتَيْنَاهُ الحكم} الحكمة وهو فهم التوراة والفقه في الدين {صَبِيّاً} حال. قيل: دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي فقال: ما للعب خلقنا {وَحَنَانًا} شفقة ورحمة لأبويه وغيرهما عطفاً على الحكم {مّن لَّدُنَّا} من عندنا {وزكواة} أي طهارة وصلاحاً فلم يعمد بذنب {وَكَانَ تَقِيّا} مسلماً مطيعا.


{وَبَرّا بوالديه} وباراً بهما لا يعصيهما {وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً} متكبراً {عَصِيّاً} عاصياً لربه {وسلام عَلَيْهِ} أمان من الله له {يَوْمَ وُلِدَ} من أن يناله الشيطان {وَيَوْمَ يَمُوتُ} من فتاني القبر {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} من الفزع الأكبر. قال ابن عيينة: إنها أوحش المواطن.
{واذكر} يا محمد {فِى الكتاب} القرآن {مَرْيَمَ} أي اقرأ عليهم في القرآن قصة مريم ليقفوا عليها ويعلموا ما جرى عليها {إِذْ} بدل من مريم بدل اشتمال إذ الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقتها هذا لوقوع هذه القصة العجيبة فيه {انتبذت مِنْ أَهْلِهَا} أي اعتزلت {مَكَاناً} ظرف {شَرْقِياً} أي تخلت للعبادة في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس أو من دارها معتزلة عن الناس. وقيل: قعدت في مشرقه للاغتسال من الحيض {فاتخذت مِن دُونِهِم حِجَاباً} جعلت بينها وبين أهلها حجاباً يسترها لتغتسل وراءه {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} جبريل عليه السلام والإضافة للتشريف، وإنا سمي روحاً لأن الدين يحيا به وبوحيه {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً} أي فتمثل لها جبريل في صورة آدمى شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر {سَوِيّاً} مستوى الخلق. وإنما مثل لها في صورة الإنسان لتستأنس بكلامه ولا تنفر عنه ولو بدا لها في صورة الملائكة لنفرت ولم تقدر على استماع كلامه {قَالَتْ إِنّى أَعُوذُ بالرحمن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّاً} أي إن كان يرجى منك أن تتقي الله فإني عائذة به منك.


{قَالَ} جبريل عليه السلام {إِنَّمَا أَنَاْ رَسُولُ رَبّكِ} أمنها مما خافت وأخبر أنه ليس بآدمي بل هو رسول من استعاذت به {لأَِهَبَ لَكِ} بإذن الله تعالى، أو لأكون سببا في هبة الغلام بالنفخ في الدرع {ليهب لك} أي الله: أبو عمرو ونافع. {غلاما زَكِيّاً} ظاهراً من الذنوب أو نامياً على الخير والبركة.
{قَالَتْ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} ابن {وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ} زوج بالنكاح {وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} فاجرة تبغي الرجال أي تطلب الشهوة من أي رجل كان ولا يكون الولد عادة إلا من أحد هذين، والبغي فعول عند المبرد (بغوي) فقلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت العين إتباعاً ولذا لم تلحق تاء التأنيث كما لم تلحق في (امرأة صبور وشكور) وعند غيره هي (فعيل) ولم تلحقها الهاء لأنها بمعنى (مفعولة) وإن كانت بمعنى فاعلة فهو قد يشبه به مثل {إن رحمة الله قريب} [الأعراف: 56] {قَالَ} جبريل {كذلك} أي الأمر كما قلت: لم يمسسك رجل نكاحاً أو سفاحاً {قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيّنٌ} أي إعطاء الولد بلا أب عليَّ سهل {وَلِنَجْعَلَهُ ءايَةً لّلْنَّاسِ} تعليل معلله محذوف أي ولنجعله آية للناس فعلنا ذلك، أو هو معطوف على تعليل مضمر أي لنبين به قدرتنا ولنجعله آية للناس أي عبرة وبرهاناً على قدرتنا {وَرَحْمَةً مّنَّا} لمن أمن به {وَكَانَ} خلق عيسى {أَمْراً مَّقْضِيّاً} مقدراً مسطوراً في اللوح فلما أطمأنت إلى قوله دنا منها فنفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى بطنها {فَحَمَلَتْهُ} أي الموهوب وكانت سنها ثلاث عشرة سنة أو عشراً أو عشرين {فانتبذت بِهِ} اعتزلت وهو في بطنها، والجار والمجرور في موضع الحال، عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانت مدة الحمل ساعة واحدة كما حملته نبذته. وقيل: ستة أشهر. وقيل: سبعة. وقيل: ثمانية: ولم يعش مولود وضع لثمانية إلا عيسى. وقيل: حملته في ساعة ووضعته في ساعة {مَكَاناً قَصِيّاً} بعيداً من أهلها وراء الجبل وذلك لأنها لما أحست بالحمل هربت من قومها مخافة اللائمة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8